بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 3 يناير 2012

قضية رقم 1 لسنة 15 قضائية المحكمة الدستورية العليا "تفسير"

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 30 يناير سنة 1993.
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر          رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبوالعينين وفاروق عبدالرحيم غنيم  وعبدالرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبدالمجيد فياض وعدلى محمود منصور أعضاء
 وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبدالمطلب                   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ رأفت محمد عبدالواحد                                      أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 1 لسنة 15 قضائية "تفسير".
ا
لإجراءات

بتاريخ 6 يناير سنة 1993 ورد إلى المحكمة كتاب السيد وزير العدل بطلب تفسير نص المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 والمعدلة بالقرار بقانون رقم 5 لسنة 1970 وذلك بناء على طلب السيد رئيس مجلس الوزراء.
وبعد تحضير الطلب، أودعت هيئة المفوضين تقريراً بالتفسير الذى انتهت إليه.
ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار القرار بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن المادة 26 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن: "تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافاً فى التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها".
وحيث إن مؤدى هذا النص أنه خول هذه المحكمة سلطة تفسير النصوص التشريعية التى تناولتها تفسيراً تشريعياً ملزماً يكون بذاته كاشفاً عن المقاصد الحقيقية التى توخاها المشرع عند إقرارها، منظوراً فى ذلك لا إلى إرادته المتوهمة أو المفترضة التى تحمل معها النصوص التشريعية محل التفسير على غير المعنى المقصود منها ابتداء، بل إلى إرادته الحقيقية التى يفترض فى هذه النصوص أن تكون معبرة عنها مبلورة لها، وإن كان تطبيقها قد باعد بينها وبين هذه الإرادة.

وحيث إن السلطة المخولة لهذه المحكمة فى مجال التفسير التشريعي –وعلى ما يبين من نص المادة 26 من قانونها- مشروطة بأن تكون للنص التشريعى أهمية جوهرية- لا ثانوية أو عرضية- تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التى ينظمها ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا النص- فوق أهميته- قد أثار عند تطبيقه خلافاً حول مضمونه تتباين معه الآثار القانونية التى يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه بما يخل عملاً بعمومية القاعدة القانونية الصادرة فى شأنهم، والمتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، ويهدر بالتالى ما تقتضيه المساواة بينهم "فى مجال تطبيقها" الأمر الذى يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء ما قصده المشرع منها عند إقرارها حسماً لمدلولها، وضماناً لتطبيقها تطبيقاً متكافئاً بين المخاطبين بها.
وحيث إن هذين الشرطين اللذين تطلبهما المشرع لقبول طلب التفسير قد توافرا بالنسبة إلى الفقرة الثانية من المادة 6 من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 والمعدلة بالقرار بقانون رقم 5 لسنة 1970 فيما تنص عليه من أن لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يحيل إلى القضاء العسكرى أياً من الجرائم المنصوص عليها فى قانون العقوبات أو أى قانون آخر- ذلك أن هذه الفقرة هى التى وقع فى شأنها خلاف التطبيق بين محكمتين تابعتين لجهتين قضائيتين مختلفتين إحداهما هى المحكمة العسكرية العليا، وأخراهما هى محكمة القضاء الإدارى. ذلك أنه بينما ذهبت المحكمة العسكرية العليا إلى أن كلمة "الجرائم" الواردة فى الفقرة الثانية المشار إليها يتسع مدلولها ليشمل كل جريمة معاقباً عليها قانوناً سواء كانت محددة بنوعها تحديداً مجرداً أم كانت معينة بذاتها بعد ارتكابها فعلاً، فإن محكمة القضاء الإدارى اتجهت وجهة أخرى مناقضة لها بقصرها مفهوم كلمة "الجرائم" الواردة بنص هذه الفقرة على تلك التى يكون المشرع قد حددها بنوعها تحديداً مجرداً. متى كان ما تقدم، وكانت هاتان المحكمتان قد اختلفتا فيما بينهما فى مسألة جوهرية مردها إلى نطاق مباشرة الولاية القضائية فى خصوص الجرائم التى يحيلها رئيس الجمهورية إعمالاً لنص الفقرة الثانية من المادة 6 من القانون رقم 25 لسنة 1966 المشار إليه واتصال هذه الولاية بنطاق الحقوق التى يملكها المواطنون فى مواجهة الجهة القضائية التى عهد إليها المشرع بتلك الولاية، فقد تقدم وزير العدل بناء على طلب رئيس مجلس الوزراء بطلب التفسير الماثل إرساء لمدلوله وضماناً لوحدة تطبيقه.
وحيث إن الأصل فى النصوص التشريعية، هو ألا تحمل على غير مقاصدها، وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها، أو بما يؤول إلى الالتواء بها عن سياقها، أو يعتبر تشويهاً لها سواء بفصلها عن موضوعها أو بمجاوزتها الأغراض المقصودة منها، ذلك أن المعانى التى تدل عليها هذه النصوص والتى ينبغى الوقوف عندها، هى تلك التى تعتبر كاشفة عن حقيقة محتواها، مفصحة عما قصده المشرع منها، مبينة عن حقيقة وجهته وغايته من إيرادها، ملقية الضوء على ما عناه بها، ومرد ذلك أن النصوص التشريعية لا تصاغ فى الفراغ، ولا يجوز انتزاعها من واقعها محدداً بمراعاة المصلحة المقصود منها، وهى بعد مصلحة اجتماعية يتعين أن تدور هذه النصوص فى فلكها، ويفترض دوماً أن المشرع رمى إلى بلوغها متخذاً من صياغته للنصوص التشريعية سبيلاً إليها. ومن ثم تكون هذه المصلحة الاجتماعية غاية نهائية لكل نص تشريعى، وإطاراً لتحديد معناه؛ وموطنا لضمان الوحدة العضوية للنصوص التى ينتظمها العمل التشريعى، بما يزيل التعارض بين اجزائها، ويكفل اتصال أحكامها وتكاملها وترابطها فيما بينها، لتعدو جميعها منصرفة إلى الوجهة عينها التى ابتغاها المشرع من وراء تقريرها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الأصل فى حالة الطوارئ أن إعلانها لا يكون إلا لمواجهة نذر خطيرة تتهدد معها المصالح القومية، وقد تنال من استقرار الدولة أن تعرض أمنها أو سلامتها لمخاطر داهمة، وكانت حالة الطوارئ- بالنظر إلى حدتها وطبيعة المخاطر المرتبطة بها- لا تلائمها أحياناً تلك التدابير التى تتخذها الدولة فى الأوضاع المعتادة باعتبار أن طبيعتها ومداها تفرض من التدابير الاستثنائية ما يناسبها، ويعتبر لازماً لمواجهة تبعاتها، وكانت تلك التدابير الاستثنائية لا تنحصر بالضرورة فيما يكون ضرورياً منها لمواجهة الجرائم التى تهدد أمن الدولة الاحتياطى أو الخارجى، بل تتناول فى عديد من صورها وتطبيقاتها جرائم أخرى تخرج عن هذا النطاق وتجاوزه، ولا نزاع فى خطورتها أو فى اتحادها معها فى علة خضوعها لتلك التدابير الاستثنائية التى تقتضيها سرعة الفصل فيها ردعاً لمرتكبيها وحفاظاً على السلامة القومية بما يكفل تأمينها مما يخل بها ولو بطريق غير مباشر، وكانت مجابهة المخاطر التى تعترض السلامة القومية- ما كان منها حالاً أو وشيكاً- تمثل إطاراً للمصلحة الاجتماعية التى أقر المشرع على ضوئها ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 6 من القانون رقم 25 لسنة 1966 –بعد تعديلها بالقرار بقانون رقم 5 لسنة 1970- من تخويل رئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يحيل إلى القضاء العسكرى أيا من الجرائم التى يعاقب عليها قانون العقوبات أو أى قانون آخر، فإن هذه المصلحة الاجتماعية تبلور إرادة المشرع، وتحدد تبعاً لها نطاق تطبيق هذه الفقرة.
وحيث إن السلطة المخولة لرئيس الجمهورية- محددة على ضوء المصلحة الاجتماعية التى سلفت الإشارة إليها- كان ملحوظاً فيها ألا يكون اختصاص رئيس الجمهورية- فى مجال إعمال الفقرة الثانية من المادة 6 المشار إليها- منحصراً فى الجرائم المنصوص عليها فيها المحددة بنوعها تحديداً مجرداً، وإنما يتناول هذا الاختصاص كذلك جرائم بذاتها مما تنص عليه الفقرة الثانية يحيلها رئيس الجمهورية بعد وقوعها، وهو ما تؤيده الأعمال التحضيرية للفقرة المذكورة إذ جاء بها "أن الجرائم التى قد تمس قواتنا المسلحة سواء بطريق مباشر أو غير مباشر لا تنحصر فى جرائم البابين الأول والثانى من الكتاب الثانى من قانون العقوبات، ذلك أن بعض الجرائم التى تخرج عن هذا النطاق قد يكون تأثيرها عليها أخطر وأبلغ مما يقتضى أخذها جميعها بحكم واحد لاتحادها فى علة إخضاعها لقانون الأحكام العسكرية خاصة فى الأوقات غير العادية التى تتخذ حالة الطوارئ معياراً لها، وذلك يساير ما ورد فى القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن حالة الطوارئ من إجازته لرئيس الجمهورية "فى قضايا معينة" أن يأمر بتشكيل دوائر أمن الدولة العليا من الضباط، وأن يقوم أحد الضباط بوظيفة النيابة فى وقت لم يكن للقضاء العسكرى فيه كيان متكامل يمكن الإحالة إليه مباشرة، وهو ما استجد بموجب قانون الأحكام العسكرية الحالى، الأمر الذى يمكن معه أن تكون الإحالة إلى القضاء العسكرى، وإخضاع الجرائم المحالة للقواعد الإجرائية لقانون الأحكام العسكرية، وبمراعاة أن عقد الاختصاص لرئيس الجمهورية مما يتيح لرئيس الدولة والقائد الأعلى لقواتنا المسلحة أن يُعمل سلطته التقديرية فى الإحالة إلى محاكم أمن الدولة أو إلى القضاء العسكرى أو ترك الأمر للقضاء العام على النحو الذى يراه محققاً للصالح العام....".
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن قصر سلطة الإحالة المخولة لرئيس الجمهورية بمقتضى الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 المعدلة بالقرار بقانون رقم 5 لسنة 1970 -على الأحوال التى تكون فيها الجرائم محددة بأنواعها تحديداً مجرداً، يغدو منافياً لإرادة المشرع التى أفصح عنها فى الأعمال التحضيرية، وهى إرادة تظاهرها المصلحة الاجتماعية التى يتوخاها النص التشريعى محل التفسير. كذلك فإن هذا القصر- ومن جهة أخرى- لا محل له، ذلك أن من المقرر قانوناً أنه إذا وضع اللفظ لمعنى واحد على سبيل الشمول والاستغراق، غدا منصرفاً إلى جميع أفراده من غير حصر فى عدد معين، ومن ثم كان العام دالاً على الشمول والاستغراق ولا يخصص بغير دليل. فإذا خصص العام بغير دليل، كان ذلك تأويلاً غير مقبول. ولازم ذلك أن يحمل كل نص تشريعى أفرغ فى صيغة عامة على معنى الاستغراق حتى يقوم الدليل جلياً على تخصيصها. متى كان ذلك، وكان الاختصاص بالإحالة المخول لرئيس الجمهورية وفقاً لنص الفقرة الثانية محل التفسير، منصرفاً إلى أية جريمة ورد النص عليها فى قانون العقوبات أو فى أى قانون آخر، وكانت عبارة "أية جريمة" تدل بعمومها دون تخصيص، وإطلاقها دون تقييد، على اتساعها لكل جريمة يتناولها قرار الإحالة سواء صدر عن رئيس الجمهورية فى شأن جرائم محددة بأنواعها تحديداً مجرداً أم كان متعلقاً بجرائم بذواتها عينها رئيس الجمهورية بعد وقوعها، فإن قصر هذا الاختصاص على النوع الأول من الجرائم دون غيره يكون مفتقراً إلى سنده.
وحيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم، فإن رئيس الجمهورية إذ يقدر- وفقاً للفقرة الثانية من المادة السادسة- إحالة جريمة أو جرائم بذواتها بعد وقوعها على ضوء ظروفها ودرجة الخطورة المتصلة بها سواء بالنظر إلى موضوعها أو مرتكبيها، فإنه بذلك يزن كل حالة على حدة بما يناسبها، ويقرر الإحالة أو يغض بصره عنها على ضوء مقاييس موضوعية يفترض فيها استهدافها المصلحة العامة فى درجاتها العليا، بما لا يناقض حقوق المواطنين عدواناً عليها، أو يخل بحرياتهم انحرافاً عن ضماناتها. ولا شبهة فى أن انطباق نص الفقرة الثانية على الجريمة المحددة بذاتها أولى من غيرها، ذلك أن وقوعها يعتبر محدداً لأبعادها، ومنبئاً عن درجة الخطورة الكامنة فيها أو المرتبطة بها. كذلك فإن إعمال هذه المحكمة لسلطتها فى مجال التفسير التشريعى المنصوص عليها فى المادة 26 من قانونها يقتضيها ألا تعزل نفسها عن إرادة المشرع، بل عليها أن تستظهر هذه الإرادة، وألا تخوض فيما يجاوز تحريها لماهيتها بلوغاً لغاية الأمر فيها، مستعينة فى ذلك- على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- بالتطور التاريخى للنصوص القانونية التى تفسرها تفسيراً تشريعياً وكذلك بالأعمال التحضيرية الممهدة لها سواء كانت هذه الأعمال قد سبقتها أو عاصرتها باعتبار أن ذلك كله مما يعينها على استخلاص مقاصد المشرع التى يفترض فى النص محل التفسير أنه يعكسها معبراً بأمانة عنها. وتقطع الأعمال التحضيرية للفقرة الثانية موضوع التفسير الماثل فى أن إحالة "قضايا معينة" هو مما يدخل فى اختصاص رئيس الجمهورية وفقاً لحكمها. ولا تعدو الجريمة الماثلة المحددة أبعادها بعد وقوعها أن تكون من الجرائم المشمولة بنص الفقرة الثانية فى مضمونها ومحتواها، ويتعين بالتالى أن تكون دلالتها منصرفة إليها شأنها فى ذلك شأن الجرائم المحددة تحديداً مجرداً. ومن جهة أخرى فإن الطبيعة الاستثنائية لنص تشريعى معين لا تعنى- فى مجال تفسيره وفقاً لنص المادة 26 من قانون هذه المحكمة- إهدار إرادة المشرع أو الإعراض عن المقاصد التى ابتغاها من وراء تقريره، ذلك أن الاختصاص بالتفسير التشريعى المخول لهذه المحكمة، لا ينشئ حكماً جديداً، بل يعتبر قرارها بالتفسير مندمجاً فى النص موضوعه وجزاءاً منه لا يتجزأ، وسارياً بالتالى منذ نفاذه، ومن ثم يعتبر النص محل التفسير وكأنه صدر ابتداء بالمعنى الذى تضمنه قرار التفسير، وليس ذلك إجراء لأثر رجعى لهذه القرار، بل هى إرادة المشرع التى حمل النص القانونى عليها منذ صدوره بعد تجلية المحكمة لدلالتها ضماناً لوحدة تطبيقه.

فلهذه الأسباب

وبعد الإطلاع على نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 والمعدلة بالقرار بقانون رقم 5 لسنة 1970.

قررت المحكمة

إن عبارة "أيا من الجرائم التى يعاقب عليها قانون العقوبات أو أى قانون آخر". الواردة فى الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 والمعدل بالقرار بقانون رقم 5 لسنة 1970، يقصد بها الجرائم المحددة بنوعها تحديداً مجرداً وكذلك الجرائم المعينة بذواتها بعد ارتكابها فعلاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق