بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 3 يناير 2012

قضية رقم 10 لسنة 14 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية" اتفاقية تأسيس المصرف العربى الدولى

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا


بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 19 يونية سنة 1993.
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد إبراهيم أبوالعينين   رئيس الجلسة
وحضور السادة المستشارين: فاروق عبدالرحيم غنيم وعبدالرحمن نصير والدكتور عبدالمجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبدالقادر عبدالله    
 وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبدالمطلب       رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ رأفت محمد عبدالواحد                         أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 10 لسنة 14 قضائية "دستورية".

الإجراءات

بتاريخ 9 أبريل سنة 1992 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبا الحكم بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية رقم 547 لسنة 1974 بشأن الموافقة على اتفاقية تأسيس المصرف العربى الدولى للتجارة الخارجية والتنمية والنظام الأساسى الملحق بها، ونصوص المواد 9، 12، 13، 15 من هذه الاتفاقية.

وقدم المدعى عليه الثالث مذكرة طلب فيها أصليا القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطياً الحكم بعدم قبولها بالنسبة إلى الطعن على نصوص المواد 9، 12، 13 من الاتفاقية ورفضها بالنسبة للطعن على نص المادة 15 منها.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، رددت فيها ذات طلبات المدعى عليه الثالث.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى- وهو أحد العاملين بالمصرف العربى الدولى للتجارة الخارجية والتنمية- كان قد أقام الدعوى رقم 31 لسنة 1992 عمال كلى الإسكندرية طالباً الحكم بصفة مستعجلة بإيقاف القرار الذى أصدره المصرف بنقله إلى القاهرة، وإعادته إلى مقر عمله بفرع الإسكندرية، وترقيته إلى الشريحة السابعة، وتقليده رئاسة الحسابات بالفرع المذكور، وإلزام المصرف بتعويضه بمبلع 000ر350 ثلاثمائة وخمسون ألفاً من الجنيهات لقاء ما أصابه من أضرار من جراء قرار نقله. وبجلسة 8 مارس سنة 1992، دفع الحاضر عن المصرف بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى على سند من المادة 15 من اتفاقية تأسيس المصرف التى تستبعد تطبيق قانون عقد العمل الفردى على العاملين بالمصرف، فدفع المدعى –بدوره- بعدم دستورية نصوص المواد 9، 12، 13، 15 من تلك الاتفاقية. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، صرحت له بإتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية هذه النصوص، فأقام الدعوى الماثلة طعناً على المواد سالفة الذكر وعلى قرار رئيس الجمهورية رقم 547 لسنة 1974 بالموافقة على الاتفاقية المشار إليها.

وحيث إن المدعى عليهما الأول والثالث دفعا بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى الراهنة تأسيساً علىا أن اتفاقية تأسيس المصرف المشار إليه وقرار رئيس الجمهورية الصادر بالموافقة عليها يعتبران من أعمال السيادة التى تنأى بحسب طبيعتها أن تكون محلاً للرقابة القضائية، بمقولة أن إنشاء هذا المصرف إنما استهدف بناء الاقتصاد العربى على أساس متين تلبية لمتطلبات التنمية العربية والاقتصادية والاجتماعية، وأن قرار رئيس الجمهورية بالموافقة على هذه الاتفاقية صدر بعد موافقة مجلس الشعب عليها لاندراجها ضمن الاتفاقيات التى حددتها حصراً الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور.

وحيث إنه وإن كانت أعمال السيادة فى أصلها الفرنسى قضائية المنشأ، إذ ظهرت أول الأمر فى ساحة القضاء الإدارى الفرنسى، إلا أنها فى مصر ذات أساس تشريعى يرتد إلى بداية التنظيم القضائى الحديث، فقد أقرها المشرع- بنصوص صريحة- فى صلب التشريعات المتعاقبة المنظمة للسلطة القضائية، وقد جرى القضاء الدستورى- فى الدول الآخذة به- على استبعاد الأعمال السياسية" من نطاق ولايته وخروجها بالتالى من مجال رقابته على دستورية التشريع.

وحيث إن الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 قد اختصا هذه المحكمة دون غيرها بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، واستهدفا بذلك ضمان الشرعية الدستورية بصون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وترسيخ مفهوم الديمقراطية التى أرساها سواء ما اتصل منه بتوكيد السيادة الشعبية- وهى جوهر الديمقراطية- أو بكفالة الحريات والحقوق العامة- وهى هدفها- أو بالمشاركة فى ممارسة السلطة- وهى وسيلتها- وذلك على نحو ما جرت به نصوصه ومبادئه التىتمثل الأصول والقواعد التى يقوم عليها نظام الحكم وتستوى على القمة فى مدارج البنيان القانونى ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام. ومن ثم يتعين- باعتبارها أسمى القواعد الأمرة- التزامها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات. وإذ كانت الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح تجد أساسها –كأصل عام- فى مبدأ الشرعية وسيادة القانون وخضوع الدولة له، إلا أنه يرد على هذا الأصل- وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- استبعاد "الأعمال السياسية" من مجال هذه الرقابة القضائية تأسيساً علىأن طبيعة هذه الأعمال تأبى أن تكون محلاً لدعوى قضائية.

وحيث إن العبرة فى تحديد التكييف القانونى "للأعمال السياسية" وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- هى بطبيعة العمل ذاته لا بالأوصاف التى قد يخلعها المشرع عليه متى كانت طبيعته تتنافى وهذه الأوصاف، ذلك أن استبعاد "الأعمال السياسية" من ولاية القضاء الدستورى إنما يأتى تحقيقاً للاعتبارات السياسية التى تقتضى- بسبب طبيعة هذه الأعمال واتصالها بنظام الدولة السياسى اتصالاً وثيقا أو بسيادتها فى الداخل أو الخارج- النأى بها عن نطاق الرقابة القضائية استجابة لدواعى الحفاظ على الدولة والذود عن سيادتها ورعاية مصالحها العليا، مما يقتضى منح الجهة القائمة بهذة الأعمال –سواء كانت هى السلطة التشريعية أو التنفيذية- سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقاً تحقيقاً لصالح الوطن وسلامته، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه فى هذا الصدد، ولأن النظر فيها والتعقيب عليها يستلزم توافر معلومات وضوابط وموازين تقدير لاتتاح للقضاء، فضلاً عن عدم ملاءمة طرح المسائل علنا فى ساحاته. ومن ثم فالمحكمة الدستورية العليا وحدها التى تحدد- بالنظر إلى طبيعة المسائل التى تنظمها النصوص المطعون عليها- ما إذا كانت النصوص المطروحة عليها تعتبر من "الأعمال السياسية" فتخرج عن ولايتها بالرقابة على الدستورية، أم أنها ليست كذلك فتبسط عليها رقابتها.

وحيث إنه وإن كانت نظرية "الأعمال السياسية" – كقيد على ولاية القضاء الدستورى- تجد فى ميدان العلاقات والاتفاقيات الدولية معظم تطبيقاتها بأكثر مما يقع فى المجال الداخلى، نظراً لارتباط ذلك الميدان بالاعتبارات السياسية وسيادة الدولة ومصالحها العليا، إلا أنه ليس صحيحاً إطلاق القول بأن جميع الاتفاقيات الدولية- أيا كان موضوعها- تعتبر من "الأعمال السياسية". كما أنه ليس صحيحاً أيضا القول بأن الاتفاقيات الدولية التى حددتها الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور واستلزمت عرضها على مجلس الشعب وموافقته عليها، تضحى جميعها- وتلقائيا- من "الأعمال السياسية" التى تخرج عن ولاية القضاء الدستورى، ذلك أن كلا القولين السابقين يتناقض والأساس الذى تقوم عليه اعتبارات استبعاد هذه الأعمال من الرقابة القضائية على دستوريتها، وهى اعتبارات ترجع إلى طبيعة الأعمال ذاتها وليس إلى طريقة أو إجراءات إبرامها والتصديق عليها.
وحيث إن البين من اتفاقية تأسيس المصرف العربى الدولى ونظامه الأساسى الذى يعتبر- وفقاً لمادتها الأولى- جزاء لا يتجزأ منها، أن حكومات مصر وليبيا وسلطنة عمان اتفقت على تأسيس هذا المصرف وقد انضم إليهم- حال إبرام الاتفاقية –أحد المواطنين الكويتيين. وقد فتحت الاتفاقية باب الانضمام إليها- وفقا لمادتها الثانية- للحكومات العربية الأخرى وكذلك للبنوك والهيئات والمؤسسات والشركات العربية وأيضا للأفراد العرب، وأن هذا المصرف يقوم بالأعمال التجارية التىتقوم بها البنوك التجارية عادة من قبول للودائع وتقديم للقروض وتحرير وتظهير للأوراق المالية والتجارية وتمويل لعمليات التجارة الخارجية وتنظيم للمساهمة فى برامج ومشروعات الاستثمار، وأن المصرف يزاول أعماله فى مجال التجارة الخارجية وفقاً للقواعد والأسس المصرفية الدولية السائدة، وأن يكون للمصرف الشخصية القانونية وله فى سبيل تحقيق أغراضه إبرام اتفاقيات مع الدول الأعضاء أو غير الأعضاء وكذلك مع المؤسسات الدولية الأخرى. وله التملك والتعاقد، ويديره مجلس إدارة من ممثلين للمساهمين يتم اختيارهم لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. وأن مدة المصرف خمسون عاماً، وحدد النظام الأساسى للمصرف أحوال حله وكيفية تصفية أمواله.

وحيث إن مؤدى ما تقدم ، أن الاتفاقية المشار إليها إنما تتمحض عن إنشاء بنك يقوم بالأعمال التى تقوم بها البنوك التجارية، فلا يسوغ اعتبارها من "الأعمال السياسية" التى تنحسر عنها رقابة القضاء الدستورى، ولا يغير من ذلك ما تضمنته بعض نصوص الاتفاقية من امتيازات معينة للمصرف أو لموظفيه أو لأموال المساهمين أو المودعين فيه. كما لا يغير من ذلك ما ورد بصدر هذه الاتفاقية بشأن البواعث التى دفعت الحكومات العربية الموقعة عليها إلى تأسيس هذا المصرف. ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى الماثلة قائما على غير أساس واجب الاطراح.

وحيث إنه وإن كان الثابت من الأوراق أن المدعى قد قصر دفعه بعدم الدستورية الذى أبداه أمام محكمة الموضوع على نصوص المواد 9، 12، 13، 15 من اتفاقية تأسيس المصرف المشار إليه، وفى هذه الحدود فحسب قدرت تلك المحكمة جدية الدفع وصرحت له باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، وكان المقرر- على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية وفى حدود النصوص التى صرحت محكمة الموضوع للمدعى بالطعن عليها، وذلك استنادا إلى أن الأوضاع الإجرائية المنصوص عليها فى المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979- سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى أو بميعاد رفعها- تتعلق بالنظام العام باعتبارها أشكالاً جوهرية فى التقاضى فى المسائل الدستورية تغيا بها المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية بالإجراءات التى رسمها وفى الموعد الذى حدده، إلا أن الدعوى الدستورية التى تتضمن طعناً بعدم دستورية نص قانونى تطرح ابتداء أمام المحكمة مدى توافر مقوماته الشكلية التى لا يستقيم يتخلفها وجوده من الناحية القانونية. كذلك فإن الطعن بعدم دستورية نص فى اتفاقية دولية إنما يطرح بحكم اللزوم توافر المتطلبات الشكلية التى استلزمتها المادة 151 من الدستور ليكون للاتفاقية قوة القانون، وذلك فيما يتعلق بإبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة. ومن ثم فإن الطعن على النصوص سالفة الذكر إنما يتسع كذلك للنظر فى قرار رئيس الجمهورية رقم 547 لسنة 1974 بالموافقة على الاتفاقية المشار إليها، ولو لم ترخص محكمة الموضوع للمدعى بالطعن عليه.

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة- وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية- مناطها- على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- ان يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يعتبر متصلاً بالحق فى الدعوى ومرتبطاً بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية وليس بهذه المسألة فى ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة. ومن ثم يبرز شرط المصلحة الشخصية المباشرة باعتباره مبلوراً فكرة الخصومة فى الدعوى الدستورية، محدداً نطاق المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، منفصلاً دوماً عن موافقة النص التشريعى المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، مستلزماً أبدا أن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية موطئا للفصل فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة فى الدعوى الموضوعية.

وحيث إن المدعى إنما يستهدف بدعواه الموضوعية إلغاء قرار نقله إلى القاهرة وإعادته إلى العمل بفرع المصرف بالإسكندرية وترقيته إلى الشريحة السابعة وتقليده رئاسة الحسابات بفرع الإسكندرية، وتعويضه عما أصابه من أضرار نتيجة لنقله. وإذ دفع المدعى عليه فى تلك الدعوى بعدم اختصاص محكمة الموضوع بنظرها، أثار المدعى دفعه بعدم دستورية مواد الاتفاقية الأربع السالف الإشارة إليها.

وحيث إن المادة 9 من الاتفاقية تحظر تأميم أو مصادرة المصرف أو فرض الحراسة عليه أو على أنصبة الأشخاص- الاعتبارية أو الطبيعية- فى رأس ماله أو على المبالغ المودعة به، وتمنع اتخاذ إجراءات الحجز القضائى أو الإدارى عليها. كما تقرر المادة 12 عدم خضوع المصرف وفروعه وتوكيلاته وسجلاته ووثائقه ومحفوظاته لقوانين وقواعد الرقابة والتفتيش القضائى أو الإدارى أو المحاسبى. وتنص المادة 13 على سرية حسابات المودعين وعدم جواز اتخاذ إجراءات الحجز القضائى والإدارى عليها. إذ كان ذلك، وكانت أحكام هذه النصوص جميعها لا أثر لها على الطلبات والدفوع المطروحة فى الدعوى الموضوعية. ومن ثم فلا تتوافر للمدعى مصلحة فى الطعن بعدم دستورية نصوص المواد الثلاث سالفة الذكر.

وحيث إن المادة 15 من اتفاقية تأسيس المصرف تنص على أنه "لا تسرى على رئيس وأعضاء مجلس إدارة المصرف وجميع موظفيه القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردى والتوظيف والأجور والمرتبات والمكافآت والمعاشات والتأمينات الاجتماعية سواء فى الحكومة أو المؤسسات العامة والشركات التابعة لها أو الشركات المساهمة. وكذلك لا تسرى عليهم كافة القواعد المنظمة لسفر الموظفين والعمال.
 ويتمتع رئيس وأعضاء مجلس إدارة المصرف وجميع موظفيه بحصانة ضد الإجراءات القانونية فيما يتعلق بالأعمال القانونية التى يقومون بها بصفتهم الرسمية، وإذا لم يكونوا من رعايا دولة المقر الرئيسى، فإنهم يمنحون نفس الحصانات ويعفون من قيود الهجرة وإجراءات تسجيل الأجانب"، وكان المدعى قد أبدى- فى الدعوى الموضوعية- دفعه بعدم دستورية نص تلك المادة رداً على الدفع بعدم اختصاص محكمة الموضوع على سند من عدم سريان قانون العمل الفردى على موظفى البنك، فإن مصلحة المدعى فى الدعوى الدستورية الماثلة يقتصر- والحالة هذه- على طلب الحكم بعدم دستورية النص سالف الذكر فيما تضمنه من عدم سريان القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردى على موظفى المصرف، أما الأحكام الأخرى التى تنص عليها تلك المادة فلا علاقة لها بالدعوى الموضوعية أو بالطلبات والدفوع المطروحة فيها، ومن ثم فلا تتوافر للمدعى مصلحة فى الطعن عليها.

وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه –بالتحديد السالف بيانه- إخلاله بحق التقاضى الذى كفله الدستور فى المادة 68 للناس كافة، بمقولة أنه إذ يؤدى إلى عدم اختصاص المحكمة العمالية بالفصل فى دعواه الموضوعية، فإنها تصبح بغير قاض يختص بنظرها بما يفضى إلى إنكار العدالة، طالما أن اتفاقية تأسيس المصرف لم تنشئ جهازاً قضائياً خاصا يتولى فض المنازعات بين المصرف والعاملين به.

وحيث إن النعى مردود، ذلك أنه ليس فى النص المطعون عليه ما ينتقص من حق التقاضى المكفول دستوريا بحلقاته الثلاث بدءا من النفاذ الميسر إلى القضاء وانتهاء بالترضية القضائية التى تكفل رد العدوان على الحقوق مروراً بحيدة المحكمة التى تتولى الفصل فى النزاع وحصانة واستقلال أعضائها وتوفر الضمانات الإجرائية والموضوعية التى تكفل حق الدفاع، ذلك أن عدم سريان القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردى على العاملين بالمصرف لا يتضمن منعهم من اللجوء إلى القضاء ولا يحجب القضاء عن الفصل – بحيدة واستقلال- فى المنازعات القائمة بينهم والمصرف. ومن ثم تكون قالة إخلال النص المطعون عليه بحق التقاضى فاقدة  لأساسها.

وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه كذلك أنه يخالف مبدأ المساواة الذى نص عليه الدستور فى المادة 40 منه، بمقولة أنه يميز المصرف بمنحه حصانة لا وجود لها بالنسبة للبنوك الأخرى. كما أنه يخل بحق العاملين به فى المساواة بزملائهم العاملين بقطاع البنوك، إذ يهدر حق العاملين بالمصرف فى الالتجاء إلى القضاء لفض المنازعات القائمة بينهم وبين المصرف.

وحيث إن هذا النعى –بدوره- مردود، ذلك أن مبدأ المساواة الذى كفله الدستور فى المادة 40 منه، لا يعنى- على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- وجوب معاملة الجميع على ما بينهم من تفاوت فى مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة. ولا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التميز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية فلا ينطوى بالتالى على مخالفة النص الدستورى المشار إليه، بما مؤداه أن التميز المنهى عنه دستوريا هو ذلك الذى يكون تحكميا، إذ أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطاراً للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم. فإذا كان النص التشريعى منطوياً على تمييز يعتبر مصادما لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها أو اعتباره مدخلا إليها، وقع التمييز تحكميا غير مستند إلى أسس موضوعية مجافيا لمبدأ المساواة القانونية الذى كفله الدستور. متى كان ذلك، وكان إنشاء هذا المصرف قد تم بمقتضى اتفاقية دولية وقعتها الحكومات الثلاث المؤسسة له، وفتحت باب الانضمام إليها للحكومات والهيئات والمؤسسات العربية الأخرى، وأجازت إنشاء فروع أو توكيلات له فى البلدان العربية وخارجها، ونصت على أن جميع معاملاته لا تتم إلا بالعملات الحرة القابلة للتحويل التى يحددها مجلس الإدارة، كما نصت على بعض المزايا الممنوحة للمصرف والمساهمين والمودعين فيه وعلى مزايا تمنح للعاملين به كالحصانة ضد الإجراءات القانونية فيما يقومون به من أعمال بصفتهم الرسمية، والإعفاء من قيود الهجرة وإجراءات تسجيل الأجانب وتحويل حقوقهم إلى موطنهم الأصلى، وذلك بالنسبة لموظفى المصرف من غير رعايا دولة المقر، فإن ذلك- وأن لم يسبغ على اتفاقية تأسيس المصرف صفة  الأعمال السياسية التى تخرجها عن ولاية الرقابة القضائية على الدستورية- يجعل لهذا المصرف- والعاملين به وضعا خاصا ومركزاً قانونياً يختلف فيه عن بنوك القطاع العام او الخاص الأخرى. ومراعاة لهذا الوضع الخاص واستهدافا لتوفير أكبر قدر من المرونة فى إدارة المصرف، ورد النص المطعون عليه، ليخول مجلس إدارته- وفقاً للمادة 34 من نظامه الأساسى- وضع نظام خاص للعاملين به. وإذ كان النص المطعون عليه لا يتضمن- كما سبق البيان- إخلالاً بحق العاملين فى المصرف فى اللجوء إلى القضاء للنصفه فيما قد يثور بينهم وبينه من منازعات، فإن النعى بمخالفة النص المطعون عليه لمبدأ المساواة لا يكون له من أساس.

وحيث إن النص المطعون عليه لا يخالف أحكام الدستور من أى وجه آخر.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية المواد أرقام 9، 12، 13 من اتفاقية تأسيس المصرف العربى الدولى للتجارة الخارجية والتنمية، وبرفضها بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية ما تتضمنه المادة 15 منها من استبعاد تطبيق القوانين والقرارات المنظمة لشئون العمل الفردى على العاملين بالمصرف، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق